من شرفات التاريخ إلى مسارح الذاكرة.. عوالم كبير مصطفى عمي
كبير مصطفى عمي كاتب ومسرحي فرنسي مغربي ولد في مدينة تازة بالمغرب عام 1952، ويُعد من أبرز الأصوات الأدبية التي جسدت التعدد الثقافي والانفتاح على الآخر في الأدب الفرانكوفوني المعاصر. يعيش في فرنسا منذ ثلاثة عقود، حيث يواصل مسيرته الإبداعية. في رواياته ومسرحياته يتعمق في عوالم تخص الهوية والمنفى، والتاريخ والذاكرة، في أسلوب يجمع بين العمق الفلسفي والخيال السردي. من أبرز أعماله:” اقتسام العالم”، “ابنة الريح”، “استدعاء الحلاج”، “عبد القادر”، “الفضائل غير الأخلاقية”، و”ابن عائشة”…
م ح ث: كيف اكتشفت شغفك بمجال الكتابة؟
كبير مصطفى عمي: اكتشفت الكتابة من خلال القراءة، كما هو الحال بالنسبة لكثير من الكتاب. سارتر، غراك، كافكا، وولف، لِسينغ، محفوظ… بدأت القراءة في سن الرابعة عشرة، كنت أقرأ كثيراً، ثم في يوم من الأيام، وبطريقة طبيعية تماماً، رغبت في الكتابة بدوري، كان الأمر أشبه بلعبة أو رهان، أردت أن أرى إن كنت قادراً على أن أروي قصة بالكلمات على الورق.
م ح ث: الهجرة والسفر عبر الزمن والمكان محور أساسي في أعمالك. كيف تختار الحقبة الزمنية التي تكتب عنها؟
كبير مصطفى عمي: في الحقيقة، الفترات التاريخية التي أكتب عنها تفرض نفسها عليا، هكذا تجري الأمور. ما يهمني هو أن أؤلف لوحة بانورامية للمغرب، من القرن الخامس عشر إلى اليوم، المغرب في علاقته بالعالم. يبدأ ذلك مع “الفضائل اللاأخلاقية” في القرن السادس عشر، ويمتد إلى “السماء بلا التفاف” الذي يتناول القرن العشرين، مروراً بـ “بن عائشة” في القرن السابع عشر، و “مردخاي” في القرن التاسع عشر.
م ح ث: روايتك “الفضائل اللاأخلاقية” تسلط الضوء على مغربي من القرن السادس عشر يذهب إلى أمريكا. كيف وظّفت التاريخ لإعادة بناء تجربة الهجرة في تلك الفترة؟
كبير مصطفى عمي: بالطبع، هناك وثائق وكتب تاريخية ساعدتني على التعرف على تلك الحقبة. ثم أجريت أبحاثا حول أسلوب العيش آنذاك: كيف كانوا يأكلون، يلبسون، يتحدثون… كل ذلك كان ضرورياً لأسرد قصة تدور أحداثها في تلك الفترة، ولأقنع القارئ بواقعيتها.
م ح ث: في أعمالك كثيراً ما تظهر رموز قوية مثل الجبال أو الشخصيات التاريخية. ما السر وراء اختيار هذه الرموز والشخصيات؟
كبير مصطفى عمي: أحب أن أضع الشخصيات في مواقف محددة، غالباً ما تكون معقدة أو إشكالية، لأراقبها وأفهم طريقة تفكيرها وتصرفها. المهم بالنسبة لي ليس تقديم حلول، بل طرح أسئلة. فجميع رواياتي تحكي قصصاً، لكن كل قصة منها تعبرها أسئلة وتساؤلات. في الحقيقة، اختيار الشخصيات والرموز يفرض نفسه بطريقة ما.
م ح ث: بالنسبة لك، هل الكتابة وسيلة لإعادة قراءة التاريخ أم لإعادة اكتشاف الذات؟
كبير مصطفى عمي: نعم، الكتابة وسيلة في آنٍ واحد لإضاءة جوانب من التاريخ، وللتعرف إلى الذات والآخرين. كما تعلمون، التاريخ هو نحن وهو أنتَ وأنا. هو العالم من حولنا، المشكَّل والمصوغ بالتاريخ، الذي يجعلنا ما نحن عليه اليوم.
م ح ث: كيف تحدد المواضيع التي تستحق أن تتحول إلى رواية بين التاريخ والخيال والواقع؟
كبير مصطفى عمي: نحمل هذه المواضيع في داخلنا، وتتحول مع الوقت إلى هواجس حقيقية تتجسد طبيعياً في شكل روايات. هناك عمل ذهني يتم في اللاوعي، خلال شهور أو سنوات، إذ يشتغل ذهنك في الخفاء، أحيانا من دون أن تدرك ذلك، فينتقي المواضيع بنفسه… ثم يأتي اليوم الذي يكون فيه الموضوع جاهزا، عندها أبدأ الكتابة.
م ح ث: ما هي مشاريعك الأدبية المستقبلية؟
كبير مصطفى عمي: أعمل حاليا على مسرحية تتناول رجالا ونساء يحاولون عبور مضيق جبل طارق. أرغب أن تُعرض في طنجة، في الأماكن نفسها التي تدور فيها الأحداث. هناك فضاء جميل تم تهيئته في “كاب سبارطيل”، وأتمنى كثيراً أن تُقدَّم هذه المسرحية هناك لأول مرة. سيكون أمراً رائعاً إذا وجدت منتجين لتحقيق هذا المشروع في بلدي المغرب قبل أن تُعرض في أماكن أخرى من العالم.
