جواد سنوسي: رحلة شغف بعلوم الرياضيات من المغرب إلى قلب أكبر معاهد وجامعات المكسيك
من الرباط إلى باريس ومرسيليا، ثم لشبونة، وصولا إلى قلب المكسيك، رحلة أكاديمية حافلة قادت الدكتور جواد سنوسي ليصبح أحد الأسماء البارزة في مجال الرياضيات والهندسة الجبرية بالبلاد. شغفه بالبحث العلمي ورغبته في نشر المعرفة جعلاه يتخطى الصعاب ويصعد سلم النجاح، ويساهم في تطوير وتأطير علوم الرياضيات بالمكسيك.
م ح ث: من هو جواد سنوسي؟ وكيف كان مسارك الأكاديمي؟
جواد سنوسي: حصلت على شهادة الإجازة في الرياضيات من كلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1991، ثم انتقلت إلى فرنسا لمتابعة دراستي العليا، حيث حصلت على شهادة الماجستير من جامعة باريس، قبل أن أتوّج مساري الأكاديمي بالحصول على شهادة الدكتوراه من جامعة “بروفانس إيكس” بمرسيليا سنة 1998. كما قمت بعدة تداريب علمية في مرحلة ما بعد الدكتوراه، منها تدريب بمركز عبد السلام الدولي للفيزياء النظرية في مدينة تريستا الإيطالية، وهو مركز أبحاث تابع لليونسكو، بالإضافة إلى تدريب آخر بعد الدكتوراه في جامعة لشبونة بالبرتغال بين عامي 2000 و2001، قبل أن أقرر الهجرة إلى المكسيك.
م ح ث: كيف جاءت فكرة الانتقال للعيش والعمل في المكسيك؟
جواد سنوسي: بعد سنوات من التحصيل العلمي في أوروبا، جاءتني فكرة السفر إلى المكسيك عام 2001 لاستكمال المرحلة الثالثة بعد الدكتوراه في الرياضيات بالمعهد التابع للجامعة الوطنية المستقلة بالمكسيك، التي تضم أكثر من 350,000 طالب و30,000 أستاذ باحث. خلال دراستي في فرنسا، التقيت بعدد من الباحثين المكسيكيين الذين كانوا يعملون على مواضيع قريبة من اهتماماتي العلمية، ونصحوني بالتقدم بطلب للحصول على وظيفة ما بعد الدكتوراه في المكسيك. وجدت الفكرة مثيرة للاهتمام، وبالفعل التحقت بالمعهد وأصبحت أستاذا فيه سنة 2004، ثم تم تعييني لاحقًا مديرًا لوحدته العلمية الخاصة بالرياضيات.
م ح ث: حدثنا أكثر عن مجال عملك داخل الجامعات المكسيكية.
جواد سنوسي: تجربتي في التدريس بالمكسيك ساهمت في تراكم خبرتي في مجال الرياضيات والعلوم الدقيقة، كما ساعدتني في تطوير مجال بحثي، الذي يتمحور حول “نظرية التفردات”، وهي فرع من فروع الهندسة الجبرية المتعلق بدراسة السلوك غير النمطي للفراغات الهندسية، مثل المنحنيات وغيرها إلى جانب البحث العلمي، أمارس التدريس والإشراف على الطلاب، وأسعى إلى نشر وتعميم الرياضيات في الجامعات المكسيكية، لكونها علمًا دقيقًا يحتاج إلى تبسيط وفهم واسع لدى فئات كبيرة من المجتمع. أسعد كثيرا عندما أرى طلابي يبحثون عني في الجامعة للحصول على شروحات مفصلة للدروس، وأشعر بأنني نجحت في بناء علاقة وطيدة معهم، وهو ما يجعلني مستمتعًا بعملي الأكاديمي في المكسيك.
م ح ث: هل تمكنت من الاندماج في النظام التعليمي بالمكسيك؟
جواد سنوسي: نعم، أنا راض جدا عن تجربتي الأكاديمية في المكسيك. لقد عشت هنا لمدة 23 سنة وأشعر أنني في بلدي الثاني. ظروف العمل ممتازة، وهناك حرية كبيرة في اختيار المواضيع والمشاريع العلمية التي أريد العمل عليها بالتعاون مع زملائي.كما أنني أشارك في تنظيم ندوات ومحاضرات في مختلف الجامعات والمعاهد المكسيكية، مما أكسبني خبرة واسعة ومرجعية علمية كبيرة في مجال الرياضيات.
م ح ث: ما الصعوبات التي واجهتك في البداية هناك؟
جواد سنوسي: لم أواجه صعوبات كبيرة في الاندماج والتأقلم مع المجتمع المكسيكي، فهم شعب بشوش ومنفتح ومتقبل للآخر، وقد حظيت بترحاب كبير من طلابي وزملائي منذ وصولي إلى هنا. لاحظت أيضًا أن المكسيكيين يحبون الحياة ويقدّرون الفرح والسعادة.أما التحدي الوحيد الذي واجهته في البداية فكان حاجز اللغة الإسبانية، حيث لم أكن أتحدثها عند وصولي. لكن مع مرور الوقت والتعلم المستمر، تمكنت من تجاوز هذا العائق. بالإضافة إلى ذلك، كان الحنين إلى الوطن والعائلة من الأمور التي كنت أوجهها بين الحين والآخر.
م ح ث: ما مميزات وسلبيات الإقامة في المكسيك؟
جواد سنوسي: الشيء السلبي الوحيد، هو بعد المسافة عن المغرب، حيث تستغرق الرحلة حوالي 20 ساعة. أما بالنسبة للغة، فقد تعلمتها بسهولة، وهذه ميزة يتمتع بها معظم المغاربة.
من ناحية أخرى، مستوى العيش في المكسيك جيد جدًا، وظروف العمل مناسبة، كما أن المدن المكسيكية تتمتع بسحر خاص ومناظر خلابة، ولكل مدينة طابعها المميز، مما يجعلني أشعر كأنني أزور بلدا جديدا في كل مرة.إضافة إلى ذلك، الطعام المكسيكي من أشهى الأطعمة في العالم، وهو أحد الأشياء التي أبهرتني في هذا البلد اللاتيني المتميز.
م ح ث: ما أهم درس تعلمته من تجربة الهجرة؟
جواد سنوسي: الدرس الأهم الذي تعلمته هو أنه رغم البعد والحنين إلى الوطن، تمكنت من الحفاظ على علاقتي ببلدي وزيارته كلما أتيحت الفرصة، رغم طول الرحلة وغلاء التذاكر.كما حرصت على الإسهام في الأنشطة العلمية في المغرب، ومن بين المبادرات التي شاركت فيها تنظيم مدرسة صيفية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس عام 2021، والتي شهدت مشاركة باحثين من دول عدة، منها المكسيك، فرنسا، إسبانيا، تونس، مالي، السنغال، ساحل العاج، النيجر، ومصر.