كوثر بوبكار: مهندسة النانو وصانعة المستقبل
هي شعاع رباطي انطلق من مدرسة مولاي يوسف ليشق سدف النانو إلى أعتاب المجرات. كوثر بوبكار ليست مهندسة رقاقات فحسب، بل ساحرة إلكترونات تهمس للسيليكون فيولد ذكاء يلمع في الهواتف والسفن الفضائية معا. بين ميكروسكوب يرصد الذرة وتلسكوب يتطلع إلى المشتري، تنسج خيوط المستقبل بخفة وصبر نَحلة ملهمة. إنها قصيدة علم تمشي على قدمَي امرأة مغربية راسخة كجبال الأطلس، متطلعة كنجمة ساطعة في سماء الابتكار والعلوم.
م ح ث: من هي كوثر بوبكار؟ وما هو مسارك الأكاديمي؟
كوثر بوبكار: أنا من مواليد 8 مارس 1979 بالرباط. تابعت دراستي بثانوية مولاي يوسف، في قسم «العلوم الرياضية». واصلت بعد ذلك دراستي بالأقسام التحضيرية في المؤسسة نفسها، ثم التحقت بـ«معهد البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية» بالرباط، حيث تخرجت مهندسة دولة في الاتصالات.
م ح ث: كيف جئتِ للعمل في بلجيكا، ولا سيّما داخل أحد مراكز الأبحاث الأوروبية؟
كوثر بوبكار: بعد تخرجي، عملت أكثر من ثلاث سنوات في مجال «الميكرو إلكترونيات» داخل المغرب. لكن، لاعتبارات ذاتية ومهنية، قررت سنة 2007 مغادرة البلاد لاكتساب خبرة حياتية ومهنية أوسع؛ فاستقريت أولا بفرنسا قبل أن أتنقل في تجارب متعددة بدول عدة، وعملت مع أبرز الشركات العالمية المهتمة “بالنانو تكنولوجيا” مثل: “سوني”، “هواوي”، “كوالكوم”. ومن بين أهم المحطات المهنية التي مررت منها.
تجربتي داخل مركز الأبحاث الأوروبي لشركة صينية رائدة، حيث شاركت في تصميم رقاقة إلكترونية توجت عالميا؛ وقد كنت حينها المصممة الفيزيائية الوحيدة في الفريق، وهو ما شكل مصدر فخر خاص لي.
م ح ث: ما أهم الأبحاث التي اشتغلتِ عليها في المركز الأوروبي؟
كوثر بوبكار: اشتغلت أساسا على «التصميم الفيزيائي للرقاقات الإلكترونية» باستخدام أحدث ما أتاحته التكنولوجيا، في تطبيقات تشمل الهواتف، الحواسيب، السيارات، الفضاء، الطب، الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء. ومن المشروعات التي أعتز بها مساهمتي في مركز “إيميك ” في تطوير رقاقة استعملت في رحلة فضائية إلى كوكب المشتري. كما درستُ في أكاديمية إيميك ووجهتُ محاضراتي إلى الكفاءات الصناعية وطلبة الدكتوراه حول موضوع «مسار التصميم الفيزيائي الرقمي المتقدم قليل الاستهلاك للطاقة». بعد ذلك، انتقلت للعمل كمديرة تنفيذية في شركة تكنولوجية يابانية رائدة عالميا.
م ح ث: ما مشروعاتك العلمية الجديدة؟
كوثر بوبكار: حاليا أعمل في مركز الأبحاث الأوروبي “إيميك” بمنصب مديرة الحسابات التقنية وبرامج الشراكات الاستراتيجية بحيث أُشرف على العلاقة التقنية والبرامج مع بعض العملاء الاستراتيجيين، وأنسق برامج البحث والتطوير التي تهدف إلى تحقيق الأهداف المشتركة، في مجالات الطب، الفضاء، الذكاء الاصطناعي، وتصنيع الرقاقات المتقدّمة. وأساهم أيضا في البرنامج البيئي الطموح للمركز، الرامي إلى مساعدة الشركاء على تقليص أثرهم البيئي.
م ح ث: ما الصعوبات والتحديات التي واجهتك في البدايات؟
كوثر بوبكار: تمثلت الصعوبات أساسا في التوفيق بين الاندماج في بيئات مهنية جديدة شديدة التنافس، والتحديات الثقافية واللغوية، إضافةً إلى ضرورة إثبات الذات كامرأة تنتمي إلى دولة إفريقية عربية امازيغية مسلمة. غير أن التصميم على التعلم المستمر، والشغف بالبحث والتطوير، والانفتاح على التجارب المختلفة، كانت جميعها عوامل ساعدتني على المثابرة والتقدم.
م ح ث: كيف استطعتِ إبراز ذاتكِ كامرأة مغربية في مجال العلوم ببلجيكا؟
كوثر بوبكار: فرض عليّ العمل في مجال دقيق ومتغير مثل “النانوتكنولوجيا” تحديث معارفي باستمرار والانفتاح على فرق عمل متعددة الجنسيات. وقد ساعدني الإخلاص للعمل، والمهارات التقنية، والمثابرة، ونكران الذات ضمن فرق بحث متعددة التخصصات، على التميز في مسارات مختلفة من حياتي. وأحرص دائما على إبراز هويتي كامرأة مغربية متشبعة بثقافة إنسانية متنوعة، ما يمنحني زاوية نظرٍ خاصة في معالجة التحديات التقنية.
م ح ث: ما طموحاتك المستقبلية؟
كوثر بوبكار: على الرغم من عملي في مجالٍ تقني دقيق، فإن ميولي يتجه أيضا إلى العلوم الإنسانية، خصوصا الفلسفة. أطمح إلى الإسهام في التفكير النقدي حول أثر التكنولوجيا في الإنسان، والبنية المجتمعية والأخلاقية للعالم. فنحن نعيش مرحلة غير مسبوقة من التطور التقني، تثير فيها “النانوتكنولوجيا” والذكاء الاصطناعي أسئلة عميقة حول معنى الإنسان وحدود التدخل التقني في الحياة. لذلك أطمح من موقعي إلى بلورة وعي علمي جماعي بهذه التحولات، مع الحرص على إشراك الأجيال الجديدة وخاصة أبنائي في بناء غد أفضل.